الجمعة، 9 يناير 2009

قصيدة (( رسالة من النفى )) للشاعر العربي محمود درويش


قصيدة (( رسالة من المنفى )) للشاعر العربي محمود درويشش
تحية ... و قبلة ...
و ليس عندي ما أقول بعد ...
من أين أبتدئ ...؟ و أين أنتهي ...؟
و دورة الزمان دون حد ...
و كل ما في غربتي ...
زوادة ، فيها رغيف يابس ، و وجد ...
و دفتر يحمل عني بعض ما حملت ...
بصقت في صفحاته ما ضاق بي من حق ...
من أين ابتدئ ...؟
و كل ما قيل و ما يقال بعد غد ...
لا ينتهي بضمة ... أو لمسة من يد ...
لا يرجع الغريب للديار ...
لا ينزل الأمطار ...
لا ينبت الريش علي ...
جناح طير ضائع ... منهد ...
من اين ابتدئ ...؟
تحية ... و قبلة ... و بعد ...
***
أقول للمدياع ... قل لها أنا بخير ...
أقول للعصفور ...
إن صادفتها يا طير ...
لا تنسى ، و قل : بخير ...
أنا بخير ...
أنا بخير ...
مازال في عيني بصر ...
مازال في السماء قمر ...
و ثوبي في العتيق ، حتى الآن ، ما اندثر ...
تمزقت أطرافه ...
لكنني رتقته ... و لم يزل بخير ...
و صرت شابا جاوز العشرين ...
تصوريني ... صرت في العشرين ...
و صرت كالشباب يا أماه ...
أواجه الحياة ...
و أحمل العبء كما الرجال يحملون ...
و اشتغل ...
في مطعم ... و أغسل الصحون ...
و أصنع القهوة للزبون ...
و ألصق البسمات فوق وجهي الحزين ...
لفرح الزبون ...
***
أنا بخير ...
قد صرت في العشرين ...
و صرت كالشباب يا أماه ...
أدخن التبغ ، و أتكي على الجدار ...
أقول للحلوة : آم ...
كما يقول الآخرون ...
يا إخوتي ، ما أطيب البنات ...
تصوروا كم مرة هي الحياة ...
بدونهن ... مرة هي الحياة ...
و قال صاحبي : (( هل عندكم رغيف )) ...؟
يا إخوتي ، ما قيمة الإنسان ...
إن نام كل ليلة ... جوعان ...؟
أنا بخير ...
أنا بخير ...
عندي رغيف أسمر ...
و سلة صغيرة من الخضار ...
***
سمعت في المذياع ...
تحية المشردين ... للمشردين ...
قال الجميع ... كلنا بخير ...
لا أحد حزين ...
فكيف حال والدي ...؟
ألم يزل كعهده ، يحب ذكر الله ...
و الأبناء ... و التراب ... و الزيتون ...؟
و كيف حال إخواتي ...
هل أصبحوا موظفين ...؟
سمعت يوما والدي يقول : ...
سيصبحون كلهم معلمين ...
سمعته يقول : ...
اجوع حتي أشتري لهم كتاب ...
لا أحذ في قريتي يفك حرفا في كتاب ...
و كيف حال أختنا ...
هل كبرت ... و جاءها خطاب ...؟
و كيف حال جدتي ...
ألم تزل كعدتها تقعد عند الباب ...؟
تدعو لنا ...
بالخير ... و الشباب ... و الثواب ...
و كيف حال بيتنا ...
و العتبة الملساء ... و الوجاق ... و الأبواب ...؟
سمعت المدياع ...
رسائل المشردين ... للمشردين ...
جميعهم بخير ...
لكنني حزين ...
تكاد أن تأكلني الظنون ...
لم يحمل المذياع عنكم خبرا ...
و لو حزين ...
و لو حزين ...
***
اليل يا أماه ــ ذئب جائع سفاح ...
يطار الغريب أينما مضى ...
و يفتح الأفاق للأشباح ...
و غابة الصفصاف لم تزل تعانق الرياح ...
ماذا جنينا نحن يا أماه ...؟
حتى نموت مرتين ...
فمرة نموت في الحياة ...
و مرة نموت عند الموت ...
هل تعامين ما الذي يملأني بكاء ...؟
هي مرضت ليلة ... و هد جسمي الداء ...
هل يذكر المساء ...
مهاجرا أتى هنا ... و لم يعد إلى الوطن ...؟
هل يذكر المساء ...
مهاجرا مات بلا كفن ...؟

قصيدة (( أمي )) للشاعر العربي محمود درويش


قصيدة (( أمي )) للشاعر العربي محمود درويش
أحن إلى خبز أمي ...
و قهوة أمي ...
و لمسة أمي ...
و تكبر في الطفولة ...
يوما على صدر يوم ...
و أعشق عمري لاني ...
إذا مت ...
أخجل من دمع أمي ...
خذيني ، إذا عدت يوما ...
وشاحا لهذبك ...
و غطي عظامي بعشب ...
تعمد من طهر كعبك ...
و شدي وثاقي ...
بخيط يلوح في ذيل ثوبك ...
عساني أصير إلها ...
إذا ما لمست قرارة قلبك ...
ضعيني ، إذا ما رجعت ...
وقود بتنور نارك ...
و حبل غسيل على سطح دارك ...
لأني فقدت الوقوف ...
بدون صلاة نهارك ...
هرمت ، فردي نجوم الطفولة ...
حتى أشارك ...
صغار العصافير ...
درب الرجوع ...
لعش انتظارك ...


قصيدة (( رباعيات )) للشاعر العربي محمود درويش


قصيدة (( رباعيات )) للشاعر العربي محمود درويش
وطني ... لم يعطني حبي لك ...
غير أخشاب صليبي ...
وطني ، يا وطني ... ما أجملك ...
خدعوني ... خذ فؤادي ... خذ ... حبيبي ...
في توابيت أحبائي أغني ...
لا راجيج أحبائي الصغار ...
دم جدي عائد لي ، فانتظرني ...
آخر الليل نهار ...
شهوة السكين لن يفهمها عطر الزنابق ...
و حبيبي لا ينام ...
سأغني ، و لكن منبر أشعاري مشانق ...
و على الناس سلام ...
أجمل الأشعار ما يحفظه عن ظهر قلب ...
كل قارئ ...
فإذا لم يشرب الناس اناشيدك شرب ...
قل أنا وحدي خاطئ ...
ربما أذكر فرسانا ، و ليلي يدويه ...
ورعاة يحلبون النوق في مغرب شمس ...
يا بلادي ، ما تمنيت العصور الجاهلية ...
فغدي ، أفضل من يومي و أمسي ...
الممر الشائك المنسي مازال ممرا ...
و ستأتيه الخطى في ذات عام ...
عندما يكبر أحفاد الذي عمر دهرا ...
يقلع الصخر ، و أنياب الظلام ...
من ثقوب السجن لاقيت عيون البرتقال ...
و عناق البحر و الأفق الرحيب ...
فإذا اشتد سواد الحزن في إحدى الليالي ...
اتعزى بجمال الليل ، في شعر حبيبي ...
جبن يضغط الكف ... و نمشي ...
و إذا جعنا تقاسمنا الرغيف ...
في ليالي البرد أحميك برمشي ...
و بأشعار على الشمس تتطوف ...
أجمل الأشياء أن نشرب شايا في المساء ...
و عن الأطفال نحكي ...
و غد لا نلتقي فيه خفاء ...
و من الأفراح ، نبكي ...
لا أريد الموت ، ما دامت على الأرض قصائد ...
و عيون لا تنام ...
فإذا جاء يأتي بإذن لن أعاند ...




قصيدة (( عن الأمنيات )) للشاعر العربي محمود درويش


قصيدة (( عن الأمنيات )) للشاعر العربي محمود درويش
لا تقل لي : ...
ليتني بائع خبز في الجزائر ...
لأغني مع ثائر ...
لا تقل لي : ...
ليتني راعي مواش في اليمن ...
لأغني لانتفاضات الزمن ...
لا تقل لي :
ليتني عامل مقهى في هافانا ...
لأغني لانتصارات الحزانى ...
لا تقل لي : ...
ليتني أعمل في أسوان حمالا صغير ...
لأغني للصخور ...
ياصديقي ...
لن يصب النيل في الفولغا ...
و لا الكونغو ، و لا الأردن في نهر الفرات ...
كل نهر ، و له نبع ... و مجرى ... و حياة ...
يا صديقي ... أرضنا ليست بعاقر ...
كل أرض ... و لها ميلادها ...
كل فجر ... و له موعد ثائر ...

قصيدة (( عن إنسان )) للشاعر العربي محمود درويش


قصيدة (( عن إنسان )) للشاعر العربي محمود درويش
وضعوا على فمه السلاسل ...
ربطوا يديه بصخرة الموتى ...
و قالوا : انت قاتل ...
اخذوا طعامه ، و الملابس ، و البيارق ...
و رموه في زنزانة الموتى ...
و قالوا : انت سارق ...
طردوه من كل المرافئ ...
أخذوا حبيبته الصغيرة ...
ثم قالوا : أنت لاجئ ...
يا دامي العينين ، و الكفين ...
إن الليل زائل ...
لا غرفة التوقيف باقية ...
و لا زرد السلاسل ...
نيرون مات ، و لم تمت روما ...
بعينيها تقاتل ...
و حبوب سنبلة تموت ...
ستملأ الوادى سنابل ...

قصيدة (( أحبك أكثر )) للشاعر العربي محمود درويش

أحبك اكثر


تكبر ... تكب ...

فمهما يكن من جفاك ...

ستبقى ، بعيني و لحمي , ملاك ...

و تبقى ، كما شاء لي جبنا أن أراك ...

نسميك عنبر ...

و أرضك سكر ...

و إني أحبك ... أكثر ...

يداك خمائل ...

ككل البلابل ...

فإن السلاسل ...

تعلمني أن أقاتل ...

أقاتل ... أقاتل ...

لأني خناجر ورد ...

و صمتي طفولة رعد ...

وزنبقة من دماء ...

فؤادي ...

و أنت الثرى و السماء ...

و قلبك أخضر ...

و جزر الهوى ، فيك ، مد ...

فكيف ، إذن ، لا أحبك أكثر ...

و أنت كما شاء لي حبنا أن أراك ...

نسيمك عنبر...

و ارضك سكر ...

و قلبك أخضر ...

و إني طفل هواك ...

على حضنك الحلو ...

أنمو و أكب ...




قصيدة (( تحدي )) للشاعر العربي محمود درويش
شدوا وثاقي ...
و منعوا عني الدفاتر ...
و السجائر ...
و ضعوا التراب على فمي ...
فاشعر دم القلب ...
ملح الخبز ...
يكتب بالأظافر ...
و المحاجر ...
و الخناجر ...
سأقولها ...
في غرفة التوقيف ...
في الحمام ...
في الإسطبل ...
تحت السوط ...
تحت القيظ ...
في عنف السلاسل ...
مليون عصفور ...
على أغصان قلبي ...
يخلق اللحن المقاتل ...